شاركت التدريسية في مركز دراسات المرأة الاستاذة الدكتورة أسماء جميل رشيد في الندوة التي نظمها قسم الدراسات الاجتماعية في بيت الحكمة والتي حملت عنوان واقع المرأة العراقية في ضوء طروحات المدرسة النقدية النسوية والتي عقدت في يوم الثلاثاء المصادف 13 ايلول من العام 2022. وعلى قاعة الندوات في بيت الحكمة.
ركزت ورقة الدكتورة أسماء (النسوية في العراق /الممارسة والتطبيق) على النسوية ليس بوصفها علم ونظريات وتيارات فكرية فحسب بل بوصفها حركة اجتماعية (ايديولوجيا) وبوصفها اطار تحليلي. وانطلقت المداخلة من سؤال مركزي وهو هل انعكست النسوية سواء كاديولوجيا أو اداة تحليلية ومعرفية أو استراتيجية على الممارسة التنظيمية والنتاج الفكري الخاص بالمرأة في العراق؟
وللاجابة على هذا السؤال حاولت الورقة ان تتبع النسوية في ثلاثة مصادر اساسية ممكن ان تكون مجالات مهمة لتبني النسوية فكراً وايديولوجيا وتطبيق الاول هو التنظيمات النسائية في العراق وهل ما اذا كانت قد استطاعت ان تتحول من نشاطات نسائية تقودها النساء وتهدف الى تحسين واقع المرأة الى حركة نسوية تحمل رؤى ومتبنيات الفكر النسوي. والمجال الثاني هو النتاج المعرفي الخاص بالمرأة وسيركز على الدراسات التاريخية والنتاج السوسيولوجي في العراق. اما المجال الثالث فهو الحراك الشعبي الذي انطلق في تشرين من العام 2019.
وقد خلصت الورقة التي اعتمدت على الدراسات والبحوث الميدانية التي اجرتها الباحثة ان النتاج المعرفي في العراق يعاني من أزمة ونقص فيما يتعلق بالبحث النسوي. وهذه الازمة لاتقتصر فقط على عدد ونسبة الدراسات الخاصة بالمرأة بالنسبة لعدد الدراسات التي انجزت في الجامعات العراقية وانما تشمل ايضاً العجز عن تقديم المعرفة البديلة التي تشكل احدى المباديء الراسخة في الفكر والبحث النسوي
فيما يتعلق بالدراسات التاريخية هناك ندرة في البحوث التي تتناول حياة النساء في الماضي اذ ماتزال المرأة خارج السرديات التاريخية وان الدراسات القليلة التي تناولت المرأة في التاريخ اهتمت بالنخبة من النساء وتحديداً نساء الطبقة الحاكمة وهذا يعني ان فهم التاريخ مازال يقتصر على دور النخبة في صناعة التاريخ ، وهذا الفهم االتقليدي للتاريخ لم يخلق مساحه لنشوء تاريخ النساء كما حدث في الدول الاوربية وامريكا والعديد من البلدان الاسلامية والعربية.
وكان لانصراف الكاتبات عن توثيق سجل تاريخي للنساء اثر في تفاقم مشكلة كتابة التاريخ في العراق اذ خضعت الكتابة التاريخية للمرأة الى ثنائية الذات والآخر فالذكور هم الذين وثقوا سير النساء وليست النساء انفسهن مما عكس تحيزاتهم وتحاملاتهم بشكل واضح.
اما اما في علم الاجتماع الذي يضم ثلاثة تخصصصات لها علاقة مباشرة بدراسات المرأة وهي الانثروبولوجيا والخدمة الاجتماعية والسوسيولوجية .
فان نسبة الدراسات التي تتناول قضايا تخص النساء لم تتجاوز ال10% من مجموع الدراسات التي انتجها قسم الاجتماع في جامعة بغداد .
و على الرغم من اتساع النشاط النسائي وازدياد عدد الجمعيات التي تؤسسها النساء أو تلك التي تتصدى لقضايا المرأة غير ان من الصعوبة بمكان تحديد ما إذا كانت هذه التنظيمات قد استطاعت ان تتحول الى حركة نسوية تحمل رؤيا ومفاهيم تتحدى المنظومة التقليدية وتنشر الوعي بخطورة الادوار الاجتماعية التي تهمّش النساء وتسعى اللى احداث تغيير جذري لبنية النظام الجندري وفقاً لمنظومة فكرية محددة وانطلاقاً من خطة أو أهداف كفيلة بتحقيق هذا التغيير.
و في احتجاجات تشرين كان الموقف من تبني النسوية ورفع اجنداتها يعبر عن تناقض وابهام كبير, فمعظم النساء المشاركات في الانتفاضة لم يحملن أجندة نسوية ولم يرافق مشاركتهن رفع اي مطالب تخص الجندر. وكان هناك غياب تام لاية شعارات تركز على النساء على الاقل في الاشهر الاولى من الاحتجاجات .ولايمكن اعتبار المشاركة الواسعة للنساء على انها ممارسة نسوية فالمشاركة وحدها لاتحدث التغيير، ولكن الانخراط في الفعل الاحتجاجي مكن النساء من تحدي الهيمنة الذكورية وساهم في ادراكهن لتمثلات جديدة بعد التحولات الفردية التي رافقت مشاركتهن فلم تعد تلك المتماهية مع قيمهم وخطت لنفسها نهجا مستقلا ومتعارضا احيانا مع الابناء والزوج .
ان خروج النساء الى ساحات التظاهر هو شكل من اشكال المقاومة والرفض للعنف الهيكلي الذي عانت منه النساء جراء الحروب والعقوبات الاقتصادية والاقتتال الطائفي, والفساد المتغلغل في كل مفاصل الحياة. فهي المتضرر الاول وصاحبة المصلحة في التغيير .